تابعالرسالة اعدها طه حسين على يد عالم الاجتماع الشهير "اميل دوركايم" وكانت عن موضوع "الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون" حيث اكملها مع "بوجليه" بعد وفاة دوركايم وناقشها وحصل بها على درجة الدكتوراه في عام 1919م ثم حصل في العام ذاته على دبلوم الدراسات العليا في اللغة اللاتينية، وكان قد اقترن في 9 اغسطس 1917 بالسيدة سوزان التي سيكون لها اثر ضخم في حياته بعد ذلك.
إنّ أمر هذا الفتى عجب ! فهو لم يكد يفرغ من امتحان الدكتورا حتّى نشط لإعداد رسالة أخرى، فقد صحّ منه العزم على الظفر "بدبلوم الدّراسات العليا"
في عام 1919 عاد طه حسين الى مصر ، فلم تُمهله الجامعة المصريّة وعيّنته مباشرة استاذاً للتاريخ اليوناني والروماني واستمر كذلك حتى عام 1925 حيث تحولت الجامعة المصرية في ذلك العام الى جامعة حكومية وعين طه حسين استاذاً لتاريخ الادب العربي بكلية الآداب.
معارك طه حسين
ومثلما كانت حياته كلها جرأة وشجاعة واثارة للجدل فقد احدث نشر رسالة الدكتوراه في كتاب ضجة هائلة ومواقف متعارضة وصلت الى حد طلب احد نواب البرلمان حرمان طه حسين من حقوق الجامعيين "لأنه الف كتابا فيه الحاد وكفر"!، ولكن سعد زغلول رئيس الجمعية التشريعية آنذاك اقنع النائب بالعدول عن مطالبه.
رغم تمرده على الكثير من اراء اساتذته الا ان معركة طه حسين الاولى والكبرى من اجل التنوير واحترام العقل تفجرت في عام 1926 عندما اصدر كتابه "في الشعر الجاهلي" الذي احدث ضجة هائلة بدأت سياسية قبل ان تكون ادبية. كما رفعت دعوى قضائية ضد طه حسين فأمرت النيابة بسحب الكتاب من منافذ البيع واوقفت توزيعه... ونشبت معارك حامية الوطيس على صفحات الصحف بين مؤيدين ومعارضين لهذا الكتاب.
وفي عام 1928 وقبل ان تهدأ ضجة كتاب الشعر الجاهلي بشكل نهائي تفجرت الضجة الثانية بتعيينه عميداً لكلية الآداب الامر الذي اثار ازمة سياسية اخرى انتهت بالاتفاق مع طه حسين على الاستقالة فاشترط ان يعين اولاً. وبالفعل عين ليوم واحد ثم قدم الاستقالة في المساء وأعيد "ميشو" الفرنسي عميداً لكلية الآداب، ولكن مع انتهاء عمادة ميشو عام 1930 اختارت الكلية طه حسين عميداً لها ووافق على ذلك وزير المعارف الذي لم يستمر في منصبه سوى يومين بعد هذه الموافقة وطلب منه الاستقالة.
الازمة الكبرى
في عام 1932 حدثت الازمة الكبرى في مجرى حياة طه حسين... ففي شباط 1932 كانت الحكومة ترغب في منح الدكتوراه الفخرية من كلية الآداب لبعض السياسيين... فرفض طه حسين حفاظاً على مكانة الدرجة العلمية، مما اضطر الحكومة الى اللجوء لكلية الحقوق...
ورداً على ذلك قرر وزير المعارف نقل طه حسين الى ديوان الوزارة فرفض العمل وتابع الحملة في الصحف والجامعة كما رفض تسوية الازمة الا بعد اعادته الى عمله وتدخل رئيس الوزراء فأحاله الى التقاعد في 29 آذار 1932 فلزم بيته ومارس الكتابة في بعض الصحف الى ان اشترى امتياز جريدة "الوادي" وتولى الاشراف على تحريرها، ثم عاد الى الجامعة في نهاية عام 1934 وبعدها بعامين عاد عميداً لكلية الاداب واستمر حتى عام 1939 عندما انتدب مراقباً للثقافة في وزارة المعارف حتى عام .1942
ولأن حياته الوظيفية كانت دائماً جزءاً من الحياة السياسية في مصر صعوداً وهبوطاً فقد كان تسلم حزب الوفد للحكم في 4 شباط 1942 ايذاناً بتغير آخر في حياته الوظيفية حيث انتدبه نجيب الهلالي وزير المعارف آنذاك مستشاراً فنياً له ثم مديراً لجامعة الاسكندرية حتى احيل على التقاعد في 16 تشرين الاول 1944 واستمر كذلك حتى 13 حزيران 1950 عندما عين لاول مرة وزيراً للمعارف في الحكومة الوفدية التي استمرت حتى 26 حزيران 1952 وهو يوم احراق القاهرة حيث تم حل الحكومة.
وكانت تلك آخر المهام الحكومية التي تولاها طه حسين حيث انصرف بعد ذلك وحتى وفاته - في الثّامن والعشرين من شهر أكتوبر سنة 1973 بالقاهرة - الى الانتاج الفكري والنشاط في العديد من المجامع العلمية التي كان عضواً بها داخل مصر وخارجها.. فاستطاع ما لم يستطعه كثير من المبصرين، وتناقلت خبر وفاته العواصم وحزن لفقدانه الأدباء والباحثون والعلماء .
وبعد نحو اكثرمن قرن كامل على ميلاده، ، ما زال عميد الادب العربي الدكتور طه حسين احد الاركان الاساسية في تكوين العقل العربي المعاصر، وصياغة الحياة الفكرية في العالم العربي، وملمحاً أساسياً من ملامح الادب العربي الحديث... بل ان الاجيال الجديدة من ابناء الامة العربية لا تزال تكتشف جوانب جديدة من القيمة الفكرية والانسانية لاحد رواد حركة التنوير في الفكر العربي... وما زالت اعمال طه حسين ومعاركه الادبية والفكرية من أجل التقدم والتخلي عن الخرافات والخزعبلات التي حاصرت وقيدت العقل العربي لعدة قرون، من اهم الروافد التي يتسلح بها المفكرون العرب في مواجهة الحملات الارتدادية التي تطل برأسها في عصرنا.
ملحمة " الايام "
و بعد اكثر من 33 عاما على وفاة عميد الادب العربى ، ما زالت السيرة الذاتية لطه حسين وما تجسده من كفاح انساني وفكري مدرسة هامة ما اشد حاجة الاجيال الجديدة للتعلم منها والتأمل فيها. . وقد نشر الجزء الاول من الايام في مقالات متتالية في اعداد الهلال عام 1926 ، وهو يُعد من نتاج ذات المرحلة التي كتب خلالها : في الشعر الجاهلي. وتميزت هذه الفترة من حياة الاديب الكبير - رحمه الله - بسخطه الواضح على تقاليد مجتمعه وعاداته الشائعة في كتاباته . ومن المؤكد ان لهذه المرارة دوافعها : فطه حسين فقد البصر صغيراً بسبب جهل اسرته باسس الرعاية الصحية. وهي خسارة فاحشة لا يمكن تعويضها . وقد رفض المجتمع المصري المحافظ الكثير من ارائه في موضوعات مختلفة حين رجوعه من فرنسا كذلك.
لهذه الاسباب وغيرها ، يعتبر الايام سيرة ذاتية تعبر عن سخط كاتبها بواقعه الاجتماعي ، خاصة بعد ان عرف الحياة في مجتمع غربي متطور . الاجزاء التي اخترناها هنا تصف مرحلة مهمة في حياة طه حسين الفكرية : اذ ترسم صورة حزينة لمساعيه للدراسة في الازهر، موضحةً اعتراضاته على نظام التعليم الشائع فيه آنذاك، واسباب عدم نجاحه في الحصول على الشهادة التي نجح من هو اقل منه شأناً وعلماً في امتلاكها.
كتبت سوزان طه حسين واصفة لحظة الوداع :
كنا معا، وحيدين، ولكن قريبين إلى حد يصعب وصفه. لم أكن أبكي ـ الدموع انهمرت بعد ذلك. كنا في
مواجهة بعضنا، ومتحدين كما كنا منذ اللحظة التي بدأت فيها رحلة العمر معا.
في لحظة الاتحاد الأخيرة، وفي وسط هذا الشعور العميق بالقرب من بعضنا، تحدثت إليه، مقبلة جبينه العالي النبيل الذي لم تحنه عواصف السنين ولم تشبه شائبة العمر؛ ذلك الجبين الذي لا يزال يشع بالنور.
فانه قبل كل شيء وبعد كل شيء وفوق كل شيء كان صديقي المفضل وكان صديقي الوحيد."
كتب طه حسين في مقدمة أحد كتبه :
"إلى أولئك الذين برّح بهم التوق إلى العدالة. . .
" إلى أولئك الذين نغّص حياتهم الخوف من الظلم. . .
" إلى أولئك الذين يملكون ما لا ينفقون. . .
"إلى أولئك الذين لا يملكون شيئا لينفقوه . . .
" إليهم كلهم أهدي هذا الكتاب.
يعتقد كثير من المفكرين العرب والعالميين ان الدكتور طه حسين يستحق جائزة نوبل للأدب مثل الأديب الكبير نجيب محفوظ، ان لم يكن أكثر. وقد رشح عميد الأدب العربي عدة مرات لنيلها، ولكنه لم يوفق. ولا شك بأنه لو عاش بعد العام 1973 لبات حظه مضاعفا.
لماذا؟؟؟
جائزة نوبل مثل كل شيء آخر في عالم العولمة والعولمانية، مسيسة، شئنا أم أبينا. والعربي الأول الذي فاز بها، كما يذكر الجميع، كان الرئيس السادات، وقد تقاسمها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن. وبسبب هذا التسييس، لم يكن ممكنا ان ينال الجائزة عربي يعيش في بلد يحكمه عبد الناصر.
ومن جهة أخرى، تعرض عميد الأدب العربي إلى "ظلم ذوي القربى" أيضا، اذ ان أفكاره المتحررة، ونظرته العقلانية إلى الأمور لم تعجب الكثير من القدريين.
ولكن إنجازات الدكتور طه حسين الأدبية والسياسية والإنسانية هي أكبر بكثير من ان يؤثر عليها حرمانه من هذه الجائزة، وأعظم من أي تسييس عولماني أو ديني.
منقول بتصرف من عدة مواقع اخرى وتم اعداده ليخرج لكم كما تروا
موقع الفراعين
http://alphraeen.com/reportDetails.asp?report_id=352وموقع الشاعرين باسم الهيجاوي وسولار الصباح
www.alhijawi.com/taha.htmانتهى الحديث ولم ينتهى النقاش حول هذا الرائع المبدع الاعمى البصير بعقله وادبه
طه حسين - مهما اختلفنا معه فبي بعض افكاره المثيره للجدل -هو عبقري بما تحوي الكلمه من معنى
لقد فقد بصره ولكنه تحدى هذا كله بصبر وعزيمه لها كل العجب
وكما كان يذكر دوما في تحفته الباقيه ( الايام ) انه يكره الاشفاق عليه لعاهته
ونحن معه نكره الاشفاق على ذوي العاهات
لأن المولى سبحانه وتعالى ماقطع من شيء الا ليوصل غيره وافضل منه
وعلى الانسان عدم الشعور بالياس او العجز
ذلك العجز الذي اشعره به دوما كلما ذكر هذا الرجل
فتحية اجلال وتقدير لعميد ادبنا العربي الشيخ الدكتور طه حسين
اخوكم p_toluidine